وعن كعب الآخبار قال لما أراد الله تعالى أن يخلق محمدا صلى الله عليه وسلم أمر جبريل أن يأتيه بالطينة التى هى قلب الأرض وبهاؤها ونورها قال فهبط جبريل فى ملائكة الفردوس وملائكة الرقيع الأعلى فقبض قبضة رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع قبره الشريف وهى بيضاء منيرة فعجنت بماء التسنيم فى معين أنهار الجنة حتى صارت كالدرة البيضاء لها شعاع عظيم ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسى وفى السموات والأرض والجبال والبحار فعرفت الملائكة وجميع الخلق سيدنا محمدا وفضله قبل أن تعرف آدم عليهما السلام، قال ابن عباس أصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرة الأرض بمكة ومن موضع الكعبة دحيت الأرض فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأصل فى التكوين والكائنات تبع له. وعن صاحب عوارف المعارف أن الماء يعنى فى الطوفان لما تموج رمى بالزبد إلى النواحى فوقعت جوهرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى مايحاذى تربته بالمدينة فكان صلى الله عليه وسلم مكيا مدنيا، ويروى أنه لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام ألهمه أن قال يارب لم كنيتنى أبا محمد الله تعالى يا آدم ارفع رأسك فرفع رأسه فرأى نور محمد صلى الله عليه وسلم فى سرادق العرش فقال يا رب ماهذا النور قال هذا نور نبى من ذريتك اسمه فى السماء أحمد وفى الأرض محمد لولاه ما خلقتك ولاخلقت سماء ولا أرضا. وعن على بن الحسين عن أبيه عن جده رضى الله عنهم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كنت نورا بين يدى ربى قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام، وفى الخبر لما خلق الله تعالى أدم جعل ذلك النور فى ظهره فكان يلمع فى جبينه فيغلب على سائر نوره ثم رفعه الله تعالى على سرير مملكته وحمله على أكتاف ملائكته وأمرهم فطافوا به فى السموات ليرى عجائب ملكوته، وعن ابن عباس كان خلقه يوم الجمعة فى وقت الزوال إلى العصر ثم خلق الله تعالى له حواء زوجته من ضلع من أضلاعه اليسرى وهو نائم فلما استيقظ ورآها سكن إليها ومد يده لها فقالت له الملائكة مه يا آدم قال ولم وقد خلقها الله لى فقالوا حتى تؤدى مهرها قال وما مهرها قالوا تصلى على محمد صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وفى رواية عشرين مرة، وروى أنه لما خرج آدم من الجنة رأى مكتوبا على ساق العرش وعلى كل موضع فى الجنة اسم محمد صلى الله عليه وسلم مقرونا باسم الله تعالى فقال يا رب هذا محمد من هو فقال هذا ولدك الذى لولاه ما خلقتك فقال يا رب بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد فنودى يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد فى أهل السموات والأرض لشفعناك. وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لى فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه قال أنك يارب لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله تعالى صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلى وإذ سألتنى بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ماخلقتك وهو آخر الأنبياء من ذريتك، وفى حديث سلمان رضى الله عنه قال هبط جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال إن ربك يقول إن كنت اتخذت إبراهيم خليلاً فقد اتخذتك حبيبا وماخلقت خلقا أكرم على منك ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندى ولولاك ماخلقت الدنيا، وقد ولدت حواء من آدم أربعين ولدا فى عشرين بطنا ووضعت شيئاً وحده كرامة لسيدنا محمد صلى الله علية وسلم فإن نوره انتقل من آدم إلى شيث وقبل وفاته جعله وصيا على ولده ثم أوصى شيث ولده بوصية آدم أن لايضع هذا النور إلا فى المطهرات من النساء ولم تزل هذه الوصية جارية تنقل من قرن إلى قرن إلى أن أدى الله النور إلى عبد المطلب وولده عبدالله وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام فى الأحاديث المرضية، قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماولدنى من سفاح الجاهلية شئ ماولدنى إلا نكاح الإسلام. وروى هشام بن محمد الكلبى عن أبيه قال كتبت للنبى صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية، وعن علي كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم ولدنى أبى وأمى ولم يصبنى من سفاح أهل الجاهلية شئ. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلتق أبواى قط على سفاح لم يزل الله ينقلنى من الاصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لاتتشعب شعبتان إلا كنت فى خيرهما، وعن أنس رضى الله عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم “لقد جاءكم رسول من أنفسكم” بفتح الفاء وقال أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح. وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام قال قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم ولم أر بنى أب أفضل من بنى هاشم، وفى صحيح البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذى كنت منه، وفى صحيح مسلم عن وائلة بن الأسقع رضى الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم، وعن العباس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق الخلق فجعلنى فى خير فرقتهم وخير الفريقين ثم تخير القبائل فجعلنى فى خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا أى خيرهم روحا وذاتا وخيرهم أصلا، وعن ابن عمر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اختار خلقه فاختار منهم بنى آدم ثم اختار بنى آدم فاختار منهم العرب ثم اختارنى من العرب فلم أزل خياراً من خيار ألا من أحب العرب فبحبى أحبهم ومن أبغض العرب فببغضى أبغضهم. واعلم أنه عليه الصلاة والسلام لم يشركه فى ولادته من أبويه أخ ولا أخت لانتهاء صفوتهما إليه وقصور نسبهما عليه ليكون مختصا بنسب جعله الله تعالى للنبوة غاية ولتمام الشرف نهاية وأنت إذا اختبرت حال نسبه وعلمت طهارة مولده تيقنت أنه سلالة آباء كرام فهو صلى الله عليه وسلم النبى العربى الأبطحى الحرمى الهاشمى القرشى نخبة بنى هاشم المختار المنتخب من خير بطون العرب وأعرقها فى النسب وأشرفها فى الحسب وأنضرها عودا وأطولها عمودا وأطيبها أرومة وأعزها جرثومة وأفصحها لسانا وأوضحها بيانا وأرجحها ميزانا وأصحها إيمانا وأعزها نفرا وأكرمها معشرا من قبل أبيه وأمه ومن أكرم بلاد الله على الله فهو سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله الذبيح بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن مناف واسمه المغيرة بن قصى واسمه مجمع بن كلام واسمه حكيم بن مرة بن كعب وكانت تجتمع إليه قريش يوم الجمعة فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم ويعلمهم بأنه من ولده ويأمرهم باتباعه والإيمان به ابن لؤى بن غالب بن فهر واسمه قريش بن مالك بن النضر واسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ويذكر أنه كان يسمع فى صلبه تلبية النبى صلى الله علية وسلم بالحج ابن مضر بن نزار سمى بذلك قيل لأنه لما ولد ونظر أبوه إلى نور محمد صلى الله عليه وسلم بين عينيه فرح فرحا شديداً وأطعم وقال إن هذا كله نزر أى قليل بحق هذا المولود فسمى نزارا بن معد بن عدنان. قال ابن دحية أجمع العلماء والإجماع حجة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان ثم يمسك ويقول كذب النسابون مرتين أو ثلاثا. وعن ابن عباس بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لايعرفون، وعن كعب الأحبار أن نور رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صار إلى عبد المطلب وأدرك نام يوما فى الحجر فانتبه مكحولا مدهونا قد كسى حلة البهاء والجمال فبقى متحيرا لايدرى من فعل به ذلك فأخذ أبوه بيده ثم انطلق به إلى كهنة قريش فأشاروا عليه بتزويجه فزوجه وكانت تفوح منه رائحة المسك الأذفر ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم يضئ فى غرته وكانت قريش إذا أصابها قحط شديد تأخذ بيده فتخرج به إلى جبل ثبير فيتقربون به إلى الله تعالى ويسألونه أن يسقيهم الغيث فكان يغيثهم ويسقيهم ببركة نور محمد صلى الله عليه وسلم. ولما قدم أبرهة ملك اليمن لهدم البيت الحرام وبلغ ذلك قريشاً فقال لهم عبد المطلب لايصل إلى هذا البيت لأن له ربا يحميه ثم استاق أبرهة إبل قريش وغنمها وكان لعبد المطلب فيها أربعمائة ناقة فركب فى قريش حتى طلع جبل ثبير فاستدار نور رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبينه كالهلال وانعكس شعاعه على البيت الحرام فلما نظر عبد المطلب إلى ذلك قال يامعشر قريش ارجعوا فقد كفيتم هذا الأمر فوالله ما استدار هذا النور منى إلا أن يكون الظفر لنا فرجعوا متفرقين ثم إن أبرهة أرسل رجلا من قومه فلما دخل مكة ونظر إلى وجه عبد المطلب خضع وثلجلج لسانه وخر مغشيا عليه فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه فلما أفاق خر ساجدا لعبد المطلب وقال أشهد أنك سيد قريش حقا. وروى أن عبد المطلب لما حضر عند أبرهة نظر الفيل الأبيض العظيم إلى وجهه فبرك كما يبرك البعير وخر ساجدا وأنطق الله تعالى الفيل فقال السلام على النور الذى فى ظهرك ياعبد المطلب ولما دخل جيش أبرهة لهدم الكعبة الشريفة برك الفيل فضربوه فى رأسه ضربا شديدا ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام ثم أرسل الله عليهم طيرا أبابيل من البحر مع كل طائر منها ثلاثة أحجار حجر فى منقاره وحجران فى رجليه كأمثال العدس لا تصيب أحدا منهم إلأ أهلكته فخرجوا هاربين يتساقطون بكل طريق وأصيب أبرهة فى جسده بداء فتساقطت أنامله أنملة أنملة وسال منه الصديد والقيح والدم وما مات حتى انصدع قلبه وإلى هذه القصة أشار سبحانه وتعالى بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) [الفيل: 1] إلى آخر السورة وقد كانت هذه القصة دالة على شرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإرهاصا لنبوته أى تاسيسا لها وإعزازاً لقومه بما ظهر عليهم من الإعتناء حتى دانت العرب واعتقدت شرفهم وفضلهم على سائر الناس بحماية الله تعالى لهم ودفعه عنهم مكر أبرهة الذى لم يكن لسائر العرب قدرة على قتاله، ولما فرج الله تعالى عن عبد المطلب ورجع أبرهة خائبا فبينما هو نائم فى الحجر إذ رأى مناما عظيما فانتبه فزعا مرعوبا وأتى كهنة قريش وقص عليهم رؤياه فقالوا له إن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك من يؤمن به أهل السموات والأرض وليكونن فى الناس علما مبينا فتزوج فاطمة وحملت بعبدالله الذبيح وقصته فى ذلك مشهورة، ولما انصرف عبدالله مع أبيه بعد أن فداه بنحر مائة من الإبل لرؤيا رآها مر على امرأة كاهنة متهودة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة فقالت له حين نظرت إلى وجهه وكان أحسن رجل فى قريش لك مثل الإبل التى نحرت عنك وقع على الآن لما رأت فى وجهه من نور النبوة ورجت أن تحمل بهذا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فأجابها بقوله: أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبينه فكيف بالأمر الذى تبغينه يحمى الكريم عرضه ودينه ثم خرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة وهو يومئذ سيد بنى زهرة نسبا وشرفا فزوجه ابنته آمنة وهى يومئذ أفضل امرأة من قريش نسبا وموضعا فوقع عليهما يوم الإثنين من أيام منى فى شعب أبى طالب فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها فمر بالمرأة التى عرضت عليه ماعرضت فقال لها مالك لا تعرضين على اليوم ما عرضت بالأمس فقالت فارقك النور الذى كان معك بالأمس فليس لى بك اليوم حاجة إنما أردت أن يكون النور فى فأبى الله إلا أن يجعله حيث شاء. ولما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لحمله عجائب قال سهل بن عبد الله التسترى رضى الله عنه لما أراد الله تعالى خلق محمد صلى الله عليه وسلم فى بطن أمه آمنة ليلة رجب وكانت ليلة جمعة أمر رضوان خازن الجنان أن يفتح الفردوس ونادى مناد فى السموات والأرض ألا إن النور المخزون المكنون الذى يكون منه النبى الهادى يستقر فى هذه الليلة فى بطن أمه الذى فيه يتم خلقه ويخرج إلى الناس بشيرا ونذيرا وفى رواية كعب الأحبار أنه نودى تلك الليلة فى السماء وصفاحها والأرض وبقاعها أن النور المكنون الذى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر الليلة فى بطن آمنة فيا طوبى لها ثم يا طوبى، وأصبحت يومئذ أصنام الدنيا منكوسة وكانت قريش فى جدب شديد وضيق عظيم فاخضرت الأرض وحملت الأشجار وأتاهم الرفد من كل جانب فسميت تلك السنة التى حمل فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفتح والابتهاج. وفى حديث ابن إسحاق أن آمنة كانت تحدث أنها أتيت حين حملت به صلى الله عليه وسلم فقيل لها إنك حملت بسيد هذه الأمة وقالت ما شعرت بأنى حملت به ولا وجدت له ثقلا ولا وحما كما تجد النساء إلا أنى أنكرت رفع حيضتى وأتانى آت وأنا بين النائمة واليقضانة فقال هل شعرت بأنك حملت بسيد الأنام ثم أمهلنى حتى إذا دنت ولادتى أتانى فقال قولى: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان من دلالة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة وهو إمام الدنيا وسراج أهلها ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا وله فى كل شهر من شهور حمله نداء فى الأرض ونداء فى السماء أن أبشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ميمونا مباركا. وعن غيره لم يبق فى تلك الليلة دار إلا أشرقت ولا مكان إلا دخله النور ولا دابة إلا نطقت، وعن أبى زكريا يحيى بن عائذ بقى صلى الله عليه وسلم فى بطن أمه تسعة أشهر كملا لاتشكو وجعا ولا مغصا ولا ريحا ولا مايعرض لذوات الحمل من النساء وكانت تقول والله ما رأيت من حمل هو أخف ولا أعظم بركة منه، ولما تم لها من حملها شهران توفى عبدالله فى المدينة عند أخواله بنى النجار ودفن بالأبواء، ويذكر عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه لما توفى عبدالله قالت الملائكة إلهنا وسيدنا بقى نبيك يتيما فقال الله تعالى أنا له حافظ ونصير، وعن عمرو بن قتيبة قال سمعت أبى وكان من أوعية العلم قال لما حضرت ولادة آمنة قال الله تعالى للملائكة افتحوا أبواب السماء كلها وأبواب الجنان والبست الشمس يومئذ نورا عظيما وكان قد أذن الله تعالى تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم. وعن ابن العباس كانت آمنة تحدث وتقول آتانى أت حين مر من حملى ستة أشهر فى المنام فقال لى يا آمنة إنك حملت بخير العالمين فإذا ولدته فسميه محمدا واكتمى شأنك قالت ثم لما أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد لاذكر ولا أنثى وإنى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه فسمعت وجبة عظيمة وأمرا عظيما هالنى ثم رأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الرعب وكل وجع أجده ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء فتناولتها فاصابنى نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بى فبينا أنا أتعجب وأقول واغوثاه من أين علمن بى فقلن لى نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين واشتد بى الأمر وأنا أسمع الوجبة فى كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم فبينما أنا كذلك إذا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض وإذا بقائل يقول خذوه عن أعين الناس. قالت ورأيت رجالا قد وقفوا فى الهواء بأيديهم أباريق من فضة ثم نظرت فإذا أنا بقطعة من الطير قد غطت حجرتى مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من الياقوت فكشف الله عن بصرى فرأيت مشارق الأرض ومغاربها ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذنى المخاض فوضعت محمدا صلى الله عليه وسلم. وعن العرباض بن سارية رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنى عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك إنى دعوة أبى إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام وإلى هذا أشار عمه العباس بقوله: وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن فى ذلك الضياء وفى النور وسبل الرشاد نخترق وروى ابن سعد أنها ولدته نظيفا ما به قذر، وفى إضاءة قصور الشام بذلك النور إشارة إلى ما خص الشام من نور نبوته فإنها دار ملكه كما ذكر كعب أن فى الكتب السالفة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجره بيثرب وملكه بالشام ولهذا أسرى به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس كما هاجر قبله إبراهيم عليه السلام إلى الشام وبها ينزل عيسى بن مريم عليه السلام وهى أرض المحشر والمنشر. وروى عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء رضى الله عنهما قالت ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع على يدى فاستهل فسمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاء لى مابين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى بعض قصور الروم قالت ثم ألبسته واضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة ورعب وقشعريرة ثم غيب عنى فسمعت قائلا يقول أين ذهبت به قال إلى المشرق قالت فلم يزل الحديث منى على بال حتى ابتعثه الله فكنت فى أول الناس إسلاما. وعن حسان بن ثابت رضى الله عنه قال إنى لغلام ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت إذا يهودى يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه وأنا أسمع قالوا ويلك ما لك قال طلع نجم أحمد الذى ولد به فى هذه الليلة، وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت كان يهودى قد سكن بمكة فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يامعشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلم قال انظروا فإنه ولد فى هذه الليلة نبى هذه الأمة بين كتفيه علامة فانصرفوا فسألوا فقيل لهم قد ولد لعبدالله بن عبد المطلب غلام فذهب اليهودى معهم إلى أمه فأخرجته لهم فلما رأى اليهودى العلامة خر مغشيا عليه وقال ذهبت النبوة من بنى إسرائيل يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب رواه يعقوب بن سفيان بإسناد حسن كما فى فتح البارى. ومن عجائب ولادته صلى الله عليه وسلم ما روى من ارتجاج إيوان كسرى وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته وغيض بحيرة طبرية وخمود نار فارس وكان له ألف عام لم تخمد كما رواه كثيرون ومن ذلك ما وقع من زيادة حراسة السماء فى الشهب وقطع رصد الشياطين ومنعهم من استراق السمع، وولد صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا أى مقطوع السرة كما روى عن ابن عمر وغيره، وعن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من كرامتى على ربى أنى ولدت مختونا ولم ير أحد سواتى. وقد اختلف فى عام ولادته صلى الله عليه وسلم والأكثرون أنه ولد عام الفيل وأنه بعد الفيل بخمسين يوما وأنه فى شهر ربيع الأول يوم الأثنين لثنتى عشرة خلت منه عند طلوع الفجر، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين واستنبئ يوم الأثنين وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الإثنين ودخل المدينة يوم الإثنين ورفع الحجر يوم الإثنين وكذا فتح مكة ونزول سورة المائدة يوم الإثنين. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال كان بمر الظهران راهب يسمى عيصا من أهل الشام وكان يقول يوشك أن يولد فيكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه فكان لايولد بمكة مولود إلا ويسأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذى ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيص فناداه فأشرف عليه فقال عيص كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذى كنت أحدثكم عنه يوم الإثنين ويبعث يوم الإثنين ويموت يوم الإثنين قال ولد لى الليلة مع الصبح مولود قال فما سميته قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهى أن يكون هذا المولود فيكم أهل هذا البيت بثلاثة خصال أنه طلع نجمه البارحة وأنه ولد اليوم وأن اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، ووافق ذلك من الشهور الشمسية نيسان وكان لعشرين مضت منه. وقيل ولد ليلا فعن عائشة رضى الله عنها قالت كان بمكة يهودى يتجر فيها فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلمه قال ولد الليلة نبى هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عزف فرس فخرجوا باليهودى حتى أدخلوه على أمه فقالوا أخرجى لنا ابنك فأخرجته وكشفوا عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع اليهودى مغشيا عليه فلما أفاق قالوا مالك ويلك قال ذهبت والله النبوة من بنى إسرائيل رواه الحاكم، وليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر، وولد صلى الله عليه وسلم فى مكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف، وأرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة عتيقة أبى لهب أعتقها حين بشرته بولادته عليه الصلاة والسلام وقد رؤى أبو لهب بعد موته فى النوم فقيل له ماحالك فقال فى النار إلا أنه خفف عنى فى كل ليلة اثنين وأمص من بين إصبعى هاتين ماء وأشار برأس إصبعيه وإن ذلك بإعتاقى لثويبة عندما بشرتنى بولادة النبى صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له. قال ابن الجزرى فإذا كان هذا أبولهب الكافر الذى نزل القرآن بذمه جوزى بفرحه ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمته صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ويبذل ماتصل إليه قدرته فى محبته صلى الله عليه وسلم لعمرى إنما بكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله العميم جنات النعيم ولازال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه الصلاة والسلام ويعملون الولائم ويتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون فى المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم ومما جرب من خواصه أنه أمان فى ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام فرحم الله امرأ اتخذ ليالى شهر مولده المباركة أعياداً. الأنوار المحمدية مختصر المواهب اللدونية للقسطلانى تأليف الشيخ يوسف إسماعيل النبهانى قاضى بيروت لبنان نشرها إلكترونيا لأول مرة المستشار أحمد كامل درويش www.Muhammad.com حقوق الطبع ملك كل مسلم